سورة الهمزة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الهمزة)


        


{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
فيه مسائل:
المسألة الأولى: الويل لفظة الذم والسخط، وهي كلمة كل مكروب يتولون فيدعو بالويل وأصله وي لفلان ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام، وروي أنه جبل في جهنم إن قيل: لم قال: هاهنا: {وَيْلٌ} وفي موضع آخر: {وَلَكُمُ الويل} [الأنبياء: 18]؟ قلنان: لأن ثمة قالوا: {يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} [الأنبياء: 14] فقال: {وَلَكُمُ الويل} وهاهنا نكر لأنه لا يعلم كنهه إلا الله، وقيل: في ويل إنها كلمة تقبيح، وويس استصغار وويح ترحم، فنبه بهذا على قبح هذا الفعل، واختلفوا في الوعيد الذي في هذه السورة هل يتناول كل من يتمسك بهذه الطريقة في الأفعال الرديئة أو هو مخصوص بأقوام معينين، أما المحققون فقالوا: إنه عام لكل من يفعل هذا الفعل كائناً من كان وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ وقال آخرون: إنه مختص بأناس معينين، ثم قال عطاء والكلبي: نزلت في الأخنس بن شريق كان يلمز الناس ويغتابهم وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه، وقال محمد بن إسحاق: ما زلنا نسمع أن هذه السورة نزلت في أمية بن خلف، قال الفراء: وكون اللفظ عاماً لا ينافي أن يكون المراد منه شخصاً معيناً، كما أن إنساناً لو قال لك لا أزورك أبداً فتقول: أنت كل من لم يزرني لا أزوره وأنت إنما تريده بهذه الجملة العامة وهذا هو المسمى في أصول الفقه بتخصيص العام بقرينة العرف.
المسألة الثانية: الهمز الكسر قال تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء} [القلم: 11] واللمز الطعن والمراد الكسر من أعراض الناس والغض منهم والطعن فيهم، قال تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} [الحجرات: 11] وبناء فعله يدل على أن ذلك عادة منه قد ضري بها ونحوهما اللعنة والضحكة، وقرئ: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} بسكون الميم وهي المسخرة التي تأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم وللمفسرين ألفاظاً أحدها: قال ابن عباس: الهمزة المغتاب، واللمزة العياب.
وثانيها: قال أبو زيد: الهمزة باليد واللمزة باللسان.
وثالثها: قال أبو العالية: الهمزة بالمواجهة واللمزة بظهر الغيب.
ورابعها: الهمزة جهراً واللمزة سراً بالحاجب والعين.
وخامسها: الهمزة واللمزة الذي يلقب الناس بما يكرهون وكان الوليد بن المغيرة يفعل ذلك، لكنه لا يليق بمنصب الرياسة إنما ذلك من عادة السقاط ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا. وقد حكى الحكم بن العاص مشية النبي صلى الله عليه وسلم فنفاه عن المدينة ولعنه.
وسادسها: قال الحسن: الهمزة الذي يهمز جليسه يكسر عليه عينه واللمزة الذي يذكر أخاه بالسوء ويعيبه.
وسابعها: عن أبي الجوزاء قال: قلت لابن عباس: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} من هؤلاء الذين يذمهم الله بالويل فقال: هم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الناعتون للناس بالعيب.
واعلم أن جميع هذه الوجوه متقاربة راجعة إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب، ثم هذا على قسمين فإنه إما أن يكون بالجد كما يكون عند الحسد والحقد، وإما أن يكون بالهزل كما يكون عند السخرية والإضحاك، وكل واحد من القسمين، إما أن يكون في أمر يتعلق بالدين، وهو ما يتعلق بالصورة أو المشي، أو الجلوس وأنواعه كثيرة وهي غير مضبوطة، ثم إظهار العيب في هذه الأقسام الأربعة قد يكون لحاضر، وقد يكون لغائب، وعلى التقديرين فقد يكون باللفظ، وقد يكون بإشارة الرأس والعين وغيرهما، وكل ذلك داخل تحت النهي والزجر، إنما البحث في أن اللفظ بحسب اللغة موضوع لماذا، فما كان اللفظ موضوعاً له كان منهياً بحسب اللفظ، ومالم يكن اللفظ موضوعاً له كان داخلاً تحت النهي بحسب القياس الجلي، ولما كان الرسول أعظم الناس منصباً في الدين كان الطعن فيه عظيماً عند الله، فلا جرم قال: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}.


{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: {الذى} بدل من كل أو نصب على ذم، وإنما وصفه الله تعالى بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فيستنقص غيره.
المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي وابن عامر جمع بالتشديد والباقون بالتخفيف والمعنى في جمع وجمع واحد متقارب، والفرق أن {جَمَعَ} بالتشديد يفيد أنه جمعه من هاهنا وههنا، وأنه لم يجمعه في يوم واحد، ولا في يومين، ولا في شهر ولا في شهرين، يقال: فلان يجمع الأموال أي يجمعها من هاهنا وههنا، وأما جمع بالتخفيف، فلا يفيد ذلك، وأما قوله: {مَالاً} فالتنكير فيه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يقال: المال اسم لكل ما في الدنيا كما قال: {الْمَالُ والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} [الكهف: 46] فمال الإنسان الواحد بالنسبة إلى مال كل الدنيا حقير، فكيف يليق به أن يفتخر بذلك القليل والثاني: أن يكون المراد منه التعظيم أي مال بلغ في الخبث والفساد أقصى النهايات. فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر به؟ أما قوله: {وَعَدَّدَهُ} ففيه وجوه:
أحدها أنه مأخوذ من العدة وهي الذخيرة يقال: أعددت الشيء لكذا وعددته إذا أمسكته له وجعلته عدة وذخيرة لحوادث الدهر.
وثانيها: عدده أي أحصاه وجاء التشديد لكثرة المعدود كما يقال: فلان يعدد فضائل فلان، ولهذا قال السدي: وعدده أي أحصاه يقول: هذا لي وهذا لي يلهيه ماله بالنهار فإذا جاء الليل كان يخفيه.
وثالثها: عدده أي كثره يقال: في بني فلان عدد أي كثرة، وهذان القولان الأخيران راجعان إلى معنى العدد، والقول الثالث إلى معنى العدة، وقرأ بعضهم وعدده بالتخفيف وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون المعنى جمع المال وضبط عدده وأحصاه وثانيهما: جمع ماله وعدد قومه الذين ينصرونه من قولك فلان ذو عدد وعدد إذا كان له عدد وافر من الأنصار والرجل متى كان كذلك كان أدخل في التفاخر ثم وصفه تعالى بضرب خر من الجهل فقال:.


{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
واعلم أن أخلده وخلده بمعنى واحد ثم في التفسير وجوه:
أحدها: يحتمل أن يكون المعنى طول المال أمله، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله، يحسب أن ماله تركه خالداً في الدنيا لا يموت وإنما قال: {أَخْلَدَهُ} ولم يقل: يخلده لأن المراد يحسب هذا الإنسان أن المال ضمن له الخلود وأعطاه الأمان من الموت وكأنه حكم قد فرغ منه، ولذلك ذكره على الماضي.
قال الحسن: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه كالموت.
وثانيها: يعمل الأعمال المحكمة كتشييد البنيان بالآجر والجص، عمل من يظن أنه يبقى حياً أو لأجل أن يذكر بسببه بعد الموت.
وثالثها: أحب المال حباً شديداً حتى اعتقد أنه إن انتقص مالي أموت، فلذلك يحفظه من النقصان ليبقى حياً، وهذا غير بعيد من اعتقاد البخيل.
ورابعها: أن هذا تعريض بالعمل الصالح وأنه هو الذي يخلد صاحبه في الدنيا بالذكر الجميل وفي الآخر في النعيم المقيم.
أما قوله تعالى: {كَلاَّ} ففيه وجهان:
أحدهما: أنه ردع له عن حسبانه أي ليس الأمر كما يظن أن المال يخلده بل العلم والصلاح، ومنه قول علي عليه السلام: مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، والقول الثاني معناه حقاً: {لينبذن} واللام في: {لَيُنبَذَنَّ} جواب القسم المقدر فدل ذلك على حصول معنى القسم في كلا.

1 | 2 | 3